يشير علماء النفس والاجتماع إلى أن المحاولات المتواصلة لتجنب الخلاف بين الزوجين لا تعد الطريقة المثلى لبناء علاقة طويلة الأمد، حيث يؤكدون على أهمية الخلافات في استمرار العلاقة بين الطرفين. فالخلافات الزوجية تساهم في أن يتعرف الطرفان على طباع بعضهما لتتجسد على أرض الواقع.
يؤكد مستشارو العلاقات الأسرية أن الغياب التام للخلافات بين الزوجين ليس ظاهرة صحية، حيث أنه يعني أن أحد الطرفين ليست لديه الثقة الكافية لإظهار اختلافاته في الرأي.
ويرون أن هذا الأسلوب ليس هو الحل المناسب، وفي المقابل، ليس من السهل الالتزام بالنقاش الهادئ والرصين، لأنها مهارة يجب أن يطورها الإنسان مع مرور الوقت.
كما يؤكد الخبراء أن تبني الأزواج أسلوبا تعاونيا في إدارة الخلافات بينهم يجعلهم أكثر راحة في حياتهم الزوجية.
ولا تعد المحاولات المتواصلة لتجنب الخلاف بين الزوجين الطريقة المثلى لبناء علاقة طويلة الأمد. وخلافا لما هو متداول، تعتبر قدرة أحد الزوجين على التعبير عن رأيه بصراحة أثناء الشجار دليلا على أنه على استعداد لتطوير العلاقة، والأشخاص الذين يتسمون بالنضج يحاولون التوصل إلى حلول ترضي الطرفين وتسهم في تحسين العلاقة، بدل اللجوء إلى المهاجمة والصراخ.
ويعتبر بعض علماء النفس والاجتماع أن الخلافات الزوجية أمر وارد في العام الأول من الزواج حيث يبدأ كل من الزوجين في التعرف على شخصية الآخر تعرفا كاملا ومفتوحا بلا تغيير أو تظاهر.
وتؤكد دراسة حديثة أجريت في سويسرا أهمية الخلافات الزوجية في استمرار العلاقة بين الطرفين، لما لها من فوائد باعتبارها فرصة حقيقية يتعرف من خلالها كل من الزوجين عما يغضب الطرف الآخر ويزعجه.
وتقول الدكتورة سامية الجندي أستاذة علم النفس الاجتماعي بجامعة الأزهر “بالفعل المشكلات لها بعض الفوائد، فمن خلالها يتعرف كل طرف عما يغضب أو يفرح الطرف الآخر، ويتلمس طباعه على أرض الواقع، بل ويعرف أخطاء نفسه، فيحاول إصلاحها وتعديل مسارها وتصحيح المفاهيم والأفكار الخاطئة التي قد تكونت لديه ضد الطرف الآخر”.
وتضيف “ومن ناحية أخرى يستطيع كلا الزوجين أن يتعرف على أفكار وطموحات وتطلعات زوجه، فيشارك في تلك التطلعات والآمال، وبذلك تمتد جسور التواصل بين الطرفين”.
لكن قد تصبح الخلافات الزوجية إذا استمرت لفترات طويلة مصدر إزعاج للزوجين ولعائلاتهما، مما يستدعي تدخل طرف ثالث لإصلاح العلاقة بينهما.
ولضمان علاقة صحية بين الزوجين، يجب التمييز بين الشجار الإيجابي والشجار السلبي، والأخذ بعين الاعتبار جملة من العوامل، مثل: الاحترام المتبادل، والاعتذار عند الضرورة، والحرص على حل المشاكل دون طلب المساعدة من أطراف خارجية.
ويعتقد 44 في المئة من المتزوجين أن الشجار أكثر من مرة خلال الأسبوع من شأنه أن يساعدهم على ضمان علاقة صحية ومثمرة لفترة طويلة. وفي الغالب، ترتفع فرص استمرار العلاقة بين الزوجين اللذين يتجادلان باستمرار، لكن شريطة أن يكون الجدال مبنيا على أسلوب سلمي.
ومن الضروري أن يعمل الشريكان على حل الخلافات التي تحول دون التعايش بينهما، وذلك من أجل التقدم في الحياة، وهناك العديد من الطرق لإدارة هذه الخلافات الزوجية.
إذا لم ينجح الطرفان في الالتزام بالقواعد فإن الضغط النفسي الذي يسببه الشجار يمكن أن يدمر صحتهما، ويزيد احتمالات إصابتهما بالأمراض المزمنة، إذ توصلت بعض الدراسات إلى وجود علاقة وطيدة بين الخلافات الزوجية ومتلازمة الأمعاء المتسربة.ويمكن للصفح والتسامح أن يجعلا الخلافات لا تتطور.
ويعتقد البعض أن الأحبة ليس عليهم أبدا التعبير عن أسفهم، ولكن هذا ليس صحيحا، إذ أنه من المؤكد أن طلب الصفح من الشريك هو الأسلوب الأفضل، ولكن دون توقع أن تزول كل الخلافات بمجرد نطق كلمة آسف.
ويؤكد خبراء العلاقات أن واحدة من أكبر المشاكل في هذا السياق هي الاعتذار بشكل سطحي دون محاولة فهم الأسباب التي أغضبت الطرف الآخر.
ولا يعني الابتعاد عن المشكلات الشعور بالضعف، وإنما القدرة على الاستمتاع بالحياة، كما لا يغير الصفح الماضي، وإنما يغير المستقبل.
ويشير الخبراء إلى أن إتقان فنون مواجهة الخلافات، ولجم فيها، وليَّ ذراعها، وامتصاصها بإسفنجة الحكمة والصبر والعقلانية، يحافظ على لُحمة العلاقة ويصونها ويحميها من التفكك والضياع.
ويؤكدون أن الخلافات توابل الحياة الزوجية، فهي تكشف للزوج خصال زوجه، وتؤكد حاجة كل منهما للآخر.